حين يفقد الخادم رؤيته لله ولنفسه وللآخرين ينحرف الاتجاه وتتلوّث الأهداف بأمور أخرى كثيرة، وأكثرها شيوعًا في العمل الروحي هو العمل لحساب الذات والبحث عن الأنا والتميُّز والسلطة والكرامة والدور...
ويزداد الانحراف بالتوسُّع في مزيد من الخدمات ربما أكثر تعبًا واستهلاكًا للوقت والطاقة، ولكنها للأسف لإرضاء الذات وللدخول في منافسة وصراع مع آخرين وليس لمجد من دعانا وفدانا.
وتصبح الخدمة مثل جسد بلا قلب لا ينبض بالحياة، ومثل أرض بلا ماء، وتصير حركة بشر وليست حركة سماء، وكيانات بشرية وليست كيانات روحية إلهية تعمل لحساب مجد ملكوت عريس البشرية الحقيقي ومخلصها وراعيها وفاديها.
ومن المزعج حين يترك الخادم نفسه لهذا الاتجاه حيث يزداد نشاطه خارجيًا بينما يضمر داخليًا، ويصير إحساسه بالقيمة مرتبطًا بما يفعله أكثر مما يرتبط بكونه سفيرًا للمسيح ويحمل رائحته الزكية، ووعاء للروح القدس...
وبمرور الوقت تختفي فرحة الحياة مع المسيح، وتصير الخدمة ثقيلة روتينية خالية من البركة والتعزية، ويتوقف النمو، وتزداد مظاهر الغيرة (الغير مقدسة)، وينخرط الخادم في خدمة الذات أكثر وأكثر التي تجلب روح الغرور والمنافسة، وتتحول الخدمة بدلًا من أن تكون مجالًا لتثبيت المحبة وإنكار الذات لتصير مجالًا لتحقيق الذات وصنع عداوات!
وعندئذ يحيا الخادم في وهم خدمة زائفة وحياة ضائعة ومسيح غائب، وهنا نصير مثل من يريد أن يقدم ما لا يملكه، ويتحول الخادم إلى شخص دائم الخلاف والشجار والعصبية والتمرد، ويرفض أيّة قيادة، ويجمع لنفسه خسارة على خسارة يومًا بعد يوم.
ولو لم يكن الخادم يقظًا ومراقبًا جيدًا لدوافعه وانفعالاته، ويضع نفسه تحت قيادة الروح القدس وأب روحي مختبر يتتلمذ على يديه ويخضع له؛ يتوه وتطول فترة التيه، وتصير خدمته خدمة خاليه من كل صلاح، وهنا فلنحذر من نموذج ديوتريفوس الذي لم نعرف عنه شيئًا غير أنه كان يحب أن يكون أولًا..
لذلك وجب علينا أن ننتبه جيدًا لئلا تصير حياتنا وخدمتنا دائرة من المقارنات والمنافسات والغيرة والحقد، ولا يعتقنا من هذه الدائرة المفرغة والمميتة إلّا أن تكون حياتنا في خضوع كامل ودائم تحت سلطان الكلمة الإلهية القادرة أن تشكّلنا بحسب القصد الإلهي، وتصير حياتنا أكثر تشبُّهًا بالسيد المسيح.
لأنه في العمل الروحي يملك المسيح على الوعي فيلغي الصراعات، ونتحول من منافسة "مَن يكون أكبر" إلى مسابقة في إنكار الذات وتقديم الآخر، ونردد أنه «ينبغي أن ذاك يزيد وأنا أنقص»، وينتهي السعي حول المتكأت الأولى ويتحول إلى رغبة في المتكأت الأخيرة، حيث تهرب النفس من محبة المجد الباطل ولا تشتهي المراكز الأولى، وتفرح بالخفاء وتتألم من العلن.
وقد أعطى الله كل خادم عطية مميزة وإن اختلفت المواهب، لكن خدام الله يعملون معًا في تناغم وانسجام، حيث تتآلف القلوب بالمحبة الروحية التي تتميز بذوبان الفردية، وتشهد لعمل الله في هؤلاء الذين ألّفهم الروح مثل قيثارة.
وللحديث بقية