اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 5004 نوفمبر 2022 - 25 بابة 1739 ش     العدد كـــ PDFالعدد 41-42

اخر عدد

الاحتواء - عظة الأربعاء 5 أكتوبر 2022م من كنيسة السيدة العذراء والأنبا بيشوي بالكاتدرائية

قداسة البابا تواضروس الثانى

04 نوفمبر 2022 - 25 بابة 1739 ش

"الاحتواء" ليس مجرد كلمة، ولكنه أسلوب حياة. الله نفسه يحتوينا خلال الستر (مثلما فعل مع السامرية)، ومن خلال الاحتمال (كما احتمل بطرس الرسول وإنكاره)، وطول الأناة، ومن خلال عمل الرحمة (مثل قصة المرأة الخاطئة – يوحنا 8)، وأخيرًا الطمأنينة.

بدايةً أريد أن أتحدث عن كلمة "احتواء" نفسها، فكل حرف من حروفها له معنى:

+ (ا) أي الإحساس بالآخر، فطبيعة الاحتواء أن يكون عندك حساسية نحو الآخر. وهذا الإحساس يتطلّب احترام شعور الآخر.

+ (ح) أي حب وحوار مع الآخر، فالاحتواء يعني أن الطرفين يتحاوران، ويظهران الحب لعضهما. وهذا الكلام ينطبق على الزوجين، وبين الوالدين والأبناء.

+ (ت) هو التلاقي أو التواصل أو التواجد؛ خصوصًا في أوقات الأزمات. لا تهرب من الأزمة، وتذكر قول القديس بولس «كونوا رجالًا» (1كو16: 13). في وقت الأزمة لا تقف ساخرًا أو صامتًا، فالإنجيل يقول: «فَمَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنًا وَلاَ يَعْمَلُ، فَذلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ» (يع4: 17).

+ (و) ويعني الوداعة، ففي وقت المشكلات لا تغضب ولا يرتفع الصوت لأن النار لا تطفئ النار. كن هادئًا وديعًا مثلما فعل السيد المسيح مع المرأة التي أُمسِكت في ذات الفعل. الغضب والصوت العالي والانفعال الشديد والتجريح في الآخر؛ كل هذه لا تصنع شيئًا سوى أن تزيد الأزمة حدةً وألمًا.

+ (ء) او (ا) وهو استمرار هذه الحال، أي أن يكون عندك طبيعة الاحتواء. وكما ذكرت لكم مرارًا إن أول ما فعله الأب في مثل الابن الضال هو أنه احتوى ابنه واحتضنه قبل أن يتكلم.

دعونا نرى بعض صور احتواء الإنسان للإنسان..

(1) ألقانة:

ألقانة تزوج حنة ولم يُرزق منها أطفالًا، وكانت نفس حنة مكتئبة بسبب هذا، وأراد ألقانة أن يحتوي ضعف زوجته، فقال لها هذه العبارة الجميلة: «يَا حَنَّةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟ وَلِمَاذَا لاَ تَأْكُلِينَ؟ وَلِمَاذَا يَكْتَئِبُ قَلْبُكِ؟ أَمَا أَنَا خَيْرٌ لَكِ مِنْ عَشَرَةِ بَنِينَ؟» (1صم1: 8). إنه يعزي امرأته، بل إن العبارة فيها نوع من المرح أو نوع من التلطيف. أظن لأن حنة حين سمعت كلامه ضحكت بالرغم من أنها كانت باكية. وبعد ذلك أعطاهم الله صموئيل النبي وأربعة أبناء آخرين. عبارة واحدة احتوت ضعف زوجة، وأنت أيها الزوج يمكنك أن تقول ثلاث أو أربع كلمات تحتوي ضعف زوجتك أو ابنك أو ابنتك.

(2) إبراهيم:

نمت أموال إبراهيم ولوط، واتسعت ممتلكاتهما، وحدثت منازعة على المراعي بين عبيد هذا وذاك، وكادت تتسبّب في منازعة بين الكبار، ولكنّ أبانا إبراهيم احتوى الموقف، وترك للوط أن يختار الأرض التي يريدها، وهكذا انتهت الأزمة؛ وبارك الله إبراهيم ووعده ونسله بامتلاك الأرض.

(3) استفانوس:

اختار الآباء الرسل استفانوس ليكون الأول بين السبعة شمامسة، وكان يجاهر بمسيحيته، وقبض عليه اليهود وحاكموه ورجموه وهو يصلي: «يَا رَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هذِهِ الْخَطِيَّةَ» (أع7: 60)، واستفادت المسيحية كلها من استشهاده، لأن الشاب شاول الذي كان يحرس ثياب الراجمين، صار بولس الرسول أعظم كارز في المسيحية، في هذا يقول القديس أغسطينوس: "لولا صلاة استفانوس ما ربحت الكنيسة بولس الرسول".. القديس استفانوس احتوى الموقف بوداعته وانتصر رغم استشهاده، وجلب لنا بولس الرسول.

(4) أبيجايل:

تزوجت أبيجايل من نابال (ومعنى اسمه: أحمق)، وحين طلب داود النبي من نابال أن يعطيه ورجاله من جزاز الغنم، طردهم نابال وأغلظ لهم القول، فقرر داود أن ينتقم من نابال وعائلته. هنا قامت أبيجايل الزوجة العاقلة، وقابلت داوود في وسط الطريق، وأخذت معها طعامًا وهدايا، وكلمته بهدوء، فَقَالَ دَاوُدُ لأَبِيجَايِلَ: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي أَرْسَلَكِ هذَا الْيَوْمَ لاسْتِقْبَالِي، وَمُبَارَكٌ عَقْلُكِ، وَمُبَارَكَةٌ أَنْتِ، لأَنَّكِ مَنَعْتِنِي الْيَوْمَ مِنْ إِتْيَانِ الدِّمَاءِ وَانْتِقَامِ يَدِي لِنَفْسِي» (1صم 25: 32، 33). لقد احتوت الموقف بكلمة. كلكم تحفظون العبارة: «اَلْجَوَابُ اللَّيِّنُ يَصْرِفُ الْغَضَبَ» (أم15: 1)؛ حاولوا أن تطبقوها.. الكلمة الحلوة تريح الناس.

(5) برنابا الرسول:

تعلم شاول الطرسوسي في جامعة طرسوس، وزامله القديس برنابا. وبعد أن تعمّد شاول وصار بولس، احتواه برنابا الرسول وقدمه لبقية التلاميذ، ثم انطلقا سويًا للكرازة. وفي الرحلة الثانية اختلفا بسبب القديس مرقس، فأخذ بولس سيلا وانطلقا للتبشير، بينما أخذ برنابا مرقس وانطلقا في رحلة أخرى. برنابا الرسول احتوى الأزمة، وصارت عتدتا عدة رحلات تبشيرية.

(6) أبو الابن الضال:

آخر صورة من مثل الابن الضال، حين احتواه أبوه في حضنه عند عودته، وهنا الأب يمثل الله بالنسبة للإنسان الخاطئ. عاد الابن لأبيه من مزرعة الخنازير، لا منظر ولا رائحة ولا شكل ولا صحة، ولكن أباه حين رآه من بعيد تحنّن وركض واستقبله في الطريق، وأخذه في حضنه قبل أن ينطق الابن، بل لم يدعه يكمل كلماته، بل أمر العبيد أن يلبسوه الحُلّة والخاتم والحذاء ويذبحوا العجل المسمّن. وفي نفس المثل نرى الصورة العكسية الابن الأكبر الذي لما سمع صوت الطرب والفرح رفض أن يدخل المنزل ولم يعرف كيف يحتوي الموقف بل أساء إلى أخيه وأبيه الذي قال له بمنتهى المحبة: «وَلكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ نَفْرَحَ وَنُسَرَّ، لأَنَّ أَخَاكَ هذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالُا فَوُجِدَ» (لو15: 32).

(7) القديسة مونيكا:

القديسة مونيكا أم القديس أوغسطينوس احتوت ابنها المارق، وظلت تصلي من أجله 18 سنة، لكن صلواتها ودموعها أتت نتيجة، وتاب ابنها توبة حقيقية، وسجّل اعترافاته في كتاب وسيم شماسًا ثم كاهنًا فأسقفًا. صارت مونيكا أم الدموع، وربحت ابنها وزوجها للمسيح.

...

الاحتواء أسلوب حياة يشمل دفء الحب، والرقّة، والسؤال اللطيف، واللمسة اللطيفة، والاحتضان، والشكر، والتفهُّم، والاحترام، والأمان، والبشاشة. الاحتواء فضيلة مهمة جدًا في الحياة الأسرية، وفضيلة تحفظ سلامة بيوتنا، وتحفظنا من متاعب كثيرة، ولا أتكلم عن الاحتواء بين الزوجين فقط، ولكن عليهما أن يحتويا أولادهما وبناتهما سواءً صغارًا أو كبارًا. لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx