مع أسبوع الآلام، وأفراح قيامة السيد المسيح منتصرًا على الشيطان والموت والجحيم، نودع الشهداء الأبرار، الذين اغتالتهم يد الإرهاب البشع، في طنطا والإسكندرية، دون ذنب أو مبرِّر.
ماذا فعل هؤلاء المصلّون الأبرياء الذين جاءوا إلى الكنيسة للصلاة واللقاء مع الله، فإذا بهم يُقتَلون بأيدٍ أثيمة، وفي تفجير رهيب، واحد في الكنيسة بطنطا والآخر في الكنيسة المرقسية بالإسكندرية؟!
حتى الآن 46 شهيدًا و112 مصابًا، والعدد غير مُحدَّد لأنه يتغيّر من آن لآخر!!
بأيّ ضمير وبأيّة عقلية يقوم الإرهابيان بهذه الجريمة البشعة؟! حقًا قالوا إن "الإرهاب.. ليس له دين ولا وطن!!"، بل ليس هناك أيّ مبرِّر يمكن دراسته، فماذا فعل هؤلاء الشهداء الأبرار للإرهابيين القتلة، ومن وراءهم؟! وماذا فعل المسيحيون عمومًا في مصر والعالم، حتى ينالهم هذا الإرهاب البغيض؟!
لكنه الشيطان !!
بل أني أرى أن الشيطان يتعلم من هؤلاء الإرهابيين، إذ يُضاف إلى روحهم الشيطانية، العقل البشري المفكر.. لكنه - للأسف - المفكر في الشر والدمار والتخريب!!
ثم بأيّ مبرّر يرتدي الإرهابي حزامًا ناسفًا، به متفجرات رهيبة، ليقتل نفسه والآخرين؟! إن قتل النفس، سواء نفس الإنسان أو أنفس الآخرين، هو أبشع الجرائم، فالروح هي عطية من الله للإنسان، لا يأخذها غير الله صاحبها!! وبعدها تقف أمامه لتعطي حسابًا عما فعلته، طوال حياتها على الأرض!!
أيّ حساب سيقدمه هؤلاء الإرهابيون أمام الله، وهم يقتلون الناس بدم بارد؟!
نعم.. الله يرفض الإرهاب، ولكنه يسمح به، كما سمح من قبل للشيطان بالسقوط، بعد أن أعطاه حرية الإرادة، حين فكر أن يصير "مثل الله"، ويرفع كرسيه "فوق كرسي الله"!! فسقط سقوطًا ذريعًا، ويريد أن يسقط الإنسان معه.
لذلك نقول إن "الموت دخل إلى العالم، بحسد إبليس".. حيث أنه حسد آدم وحواء، حسدهما على عشرتهما مع الله، وتواجدهما بالفردوس، وعمل على سقوطهما!!
لماذا سمح الله بذلك؟
1- ليؤكد لنا مبدأ "حرية الإرادة"، فالرب لا يريد أن نكون دمي تحيا معه في الملكوت، بل يريد أنفسًا واعية حرَّة، اختارت أن تحيا مع الله بمحض إرادتها!
2- وليؤكد لنا فرصة "اختبار هذه الحرية" بأن يضع الله أمامنا: "الموت والحياة"، وينصحنا قائلًا: «اخْتَرِ الحَيَاةَ لِتَحْيَا» (تث30: 19)، لكن للإنسان أن يختار ما يشاء!!
3- لكن الإنسان اختار الموت لنفسه: "أنا اختطفت لي حكم الموت" (القداس الغريغوري)..
4- لكن الله بمحبته، تجسد وفدانا، وسفك دمه لخلاصنا، ورسم لنا طريق الحياة الأبدية «لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَي لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يو3: 16).
5- وهكذا صار الملكوت معدًا لاستقبالنا «أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا» (يو14: 2)، المهم:
أ- أن نتوب عن خطايانا.
ب- ونؤمن بالفادي الوحيد.
ج- ونأخذ فعل معموديته، إذ نموت معه فيها ونقوم معه أيضًا.
د- ثم نُدشَّن بالميرون، فنصير هيكلًا للروح القدس.
ه- ثم نتناول من جسده ودمه الأقدسين لنثبت فيه وهو فينا.
و- ثم نستمر في جهادنا الروحي اليومي معه طوال الحياة، لأن الإنسان «لاَ يُكَلَّلُ إنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَانُونِيًّا» (2تي2: 5).
وهكذا إذ نسير في طريق الملكوت، الذي رسمه لنا السيد المسيح، ومن خلال الكنيسة المقدسة، نصل به.. إليه!! نصل بالسيد المسيح.. إلى السيد المسيح، الذي قال منذ العهد القديم: «أَنَا حَمَلْتُكُمْ عَلَى أَجْنِحَةِ النُّسُورِ وَجِئْتُ بِكُمْ إِلَيّ» (خر19: 4).. نعم بنعمته المقدسة العاملة فينا، وفي جهادنا الروحي، نصل إلى حضرته المقدسة في الملكوت العتيد لنحيا معه، بنعمته ومحبته وعمل روح القدوس، نحيا إلى الأبد.. فنتمتع بقول الكتاب: «أَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (أف2: 6).
عزاءً لكل أسر الشهداء ولنا جميعًا، وشفاءً عاجلًا لكل المصابين، ووداعًا شهداء كنيستنا الأطهار، منذ مارمرقس، وحتى شهداء طنطا والإسكندرية، وإلى اللقاء حيث المسيح جالس في ملكوته.. له كل المجد!