اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 5018 نوفمبر 2022 - 9 هاتور 1739 ش     العدد كـــ PDFالعدد 43-44

اخر عدد

وبغيره لم يكن شيء مما كان

قداسة البابا تواضروس الثانى

18 نوفمبر 2022 - 9 هاتور 1739 ش

منذ الصغر شغلني موضوع النظام في كل شيء، فكانت أسرتي تهتم جدًا بهذا الأمر في دراستي وكتبي وحقيبتي المدرسية، وأيضًا على مائدة الطعام، وكذلك ترتيب سريري يوميًا، وأيضًا ملابسي إلى آخره... ومع السنين أدركت أن النظام هو مفتاح النجاح، حتى أنني كنت أعطي باستمرار درسًا في فصول إعداد خدام اسمه "النجاح ومن أين يأتي" ووضعت فقرات الموضوع بحسب حروف كلمة نجاح: نون = نظام، ج = جهاد، أ= إيمان، ح = حب. واعتبرت أن النظام هو بداية النجاح.

وعندما صرت أمينًا للخدمة في كنيستي الملاك ميخائيل بدمنهور في عام 1975 -وهو العام الذي تخرجت فيه من الجامعة- حافظت على كل الأنظمة التي تعلمتها في الخدمة من أساتذتي، سواء في جداول الخدمة والمواعيد والاجتماع الصيفي واجتماع الخدام وأسابيع الصلاة والحفلات التنشيطية دون أن أترك أي شيء للصدفة، وهذه الأمور ساعدت كثيرًا على النجاح والإبداع والنمو الروحي والعملي في الخدمة وفي كل الأنشطة والبرامج.

ونفس الشيء حدث عندما صرت أسقفًا، وعهد لي نيافة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة وتوابعها -حفظه الله ببركات الصحة والعمر الطويل- وأعطاني مسؤولية القطاع الصحراوي بالإيبارشية في منطقة كنج مريوط وذلك عام 1997م.

كان القطاع الصحراوي غرب الإسكندرية يمتد غربًا إلى حدود مرسى مطروح، كما يمتد جنوبًا حتى وادي النطرون، وبذلك فهو مساحة شاسعة من الصحراء بلا معالم جغرافية محددة كما في المدن والقرى.. لذا بدأت بوضع خريطة للقطاع حيث قسمتها إلى مربعات مستخدمًا بعض الشواهد مثل خطوط السكك الحديدية أو بعض القنوات أو الترع، وركزنا على مناطق وجود الأقباط والأسر في كل مربع، وساعدني عشرات من الآباء والخدام والخادمات خلال خمسة عشرة سنة من 1997 إلى 2012، وصار عدد الكهنة أربعين بعد أن كان أربعة فقط، وصارت مواضع الخدمة عديدة بعد أن كانت موضعين فقط، والسبب هو العمل المنظم الدقيق زمنيًا ومكانيًا وإنسانيًا.

وليس عبثًا أن تعيد علينا القراءات الكنسية معجزة إشباع الجموع سواء كل يوم في إنجيل صلاة الساعة التاسعة بالأجبية (لوقا 9: 10–17)، أو في قراءات قداس الأحد الخامس في الشهور القبطية، ومعروف أن السيد المسيح طلب من تلاميذه أن يُجلِسوا الجموع فرقًا فرقًا خمسين خمسين (متى 14؛ مرقس 6؛ لوقا 9؛ يوحنا 6) قبل أن يُجري المعجزة وتشبع الجموع. والجميل أن الكنيسة تسمّي هذا المقطع من البشائر الأربعة "إنجيل البركة"، وكأن العلاقة وثيقة جدًا بين النظام والبركة، وأعتقد أن هذا ما تقدمه لنا علوم الإدارة والتدبير الكنسي، بمعنى أن نضع كل أمور الخدمة في أنظمة محدّدة وعملية لتأتي إليها النعمة والبركة فيكون الناتج عظيمًا ومفرحًا ويمجّد السيد المسيح. هذا صحيح مع كل مشروع أو إنجاز أو نشاط تقدمه الكنيسة من خلال خدام أمناء أصحاء محبين.

وبعد صلوات التجليس التي تمت يوم الأحد 18/11/2012، واتسمت بالنظام الدقيق والشفافية التي شاهدها الجميع وأثنوا عليها؛ جاء الاجتماع الأول للمجمع المقدس يوم الخميس 22/11/2012، وقد حضره 91 عضوًا، وكان في كنيسة الأنبا أنطونيوس بالمقر البابوي بالعباسية، وكان عليَّ أن أقدم أمام المجمع رؤيتي للعمل الكنسي الذي نبدأه معًا بعد رحيل مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث والذي ترك لنا كنيسة قوية عامرة، وقد وضعت رؤيتي في خمسة محاور عالمًا وواعيًا لوصية أب اعترافي : «كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان».

1- التأكيد على روح الأبوة والرعاية وما تشمله من المصالحة والغفران بعيدًا عن روح التسلّط أو التشدّد، وأن المحبة هي سبيلنا الوحيد.

2- التأكيد على أهمية العمل الروحي قبل الاجتماعي اعتمادًا على الكتاب المقدس والصلاة بكل أشكالها وروح كنيستنا القبطية وتقاليدها.

3- التأكيد على أهمية العمل الإداري من خلال نظام فعّال، وتنمية روح المشاركة والإيجابية في سائر الأنشطة الكنسية.

4- التأكيد على العمل الكرازي والوجود المسكوني وتشجيع الحوارات بين الكنائس والشهادة للسيد المسيح في كل مكان.

5- التأكيد على العمل المجتمعي بين المحتاجين والضعفاء والمُهمّشين، والاهتمام بالعمل التنموي في كل المجالات.

وما زالت هذه المحاور هي أساسيات العمل الكنسي الذي يقوم به الآباء والخدام والخادمات داخل مصر وخارجها.

وعلى سبيل المثال لا الحصر وبخصوص البند الثالث، وضعنا عبر سنوات مجموعة من اللوائح التنظيمية للعمل الكنسي المؤسسي، وشارك فيها عدد كبير من المختصين وأساتذة الجامعات، وناقشها الآباء في جلسات المجمع، وتم إقرارها لتكون معينًا في الخدمة الكنسية، وعندما أطالع هذه اللوائح والجهد الذي بُذِل فيها أقول: ... بغيره لم يكن شيء مما كان.

ولكن على الجانب الآخر كان يشغلني أمر آخر وهو مكان الاجتماع، حيث أن قاعة صحن الكنيسة كانت لا تتسع لجلوس الجميع والمشاركة بفاعلية، وبدأت أفكر في حاجتنا إلى مكان مجهز للاجتماعات المجمعية ويكون مريحًا ولكل عضو مكانه ومزود بشاشات العرض والصوتيات ويتيح الرؤية للجميع بدون عوائق...

وفكرت في قاعة بالمركز الثقافي القبطي، وبالفعل جهزنا قاعة وعقدنا بها عدة جلسات.. ثم كان الفكر أوسع في إنشاء مبنى بالمقر البابوي الديري في دير الأنبا بيشوي، ولم تكن ظروفنا المالية تسمح بإنشاء كبير ولذا بدأنا بصورة محدودة وذلك من عام 2013 حيث نشأ مركز لوجوس للمؤتمرات والذي يستوعب مئتي شخص، وبه قاعة مخصصة لاجتماع المجمع المقدس يتوفر بها عوامل الراحة والضيافة والإقامة والهدوء. وقد ساعدنا الله بصورة مدهشة على استكمال العمل خلال ثلاث سنوات فقط من خلال مهندسين وفنيين وأحباء، وبمجرد أن وضعنا في يد الله رسومًا ونظامًا وأحلامًا عن هذا المقر إلّا ووجدنا النعمة والبركة تنساب في العمل وتكمله بصورة أروع مما كنا نظن أو نستحق؛ ويتجدد الوعد الالهي: بغيره لم يكن شي مما كان.

لقد خبرت ثلاث خبرات أضيفها إلى الخبرات الثلاثة التي ذكرتها في مقالي الماضي وهي:

(1) النظام ثم النظام ثم النظام، لأنه مفتاح النجاح وبداية لأي تدبير في الكنيسة.

(2) المال محدود القدرة جدًا، إنه يشتري منزلًا ولكن لا يشتري دفئًا، يشتري دواءً ولكن لا يشتري الصحة، يشتري ذهبًا ولكن لا يشتري أمنًا أو سلامًا.... إنه آخر عوامل النجاح.

(3) الأمانة والإخلاص الحقيقي في حياة الخادم والمسئول، ومكتوب «كن أمينًا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة» (رؤيا 2: 10).

حقًا: به كان كل شيء، وبغيره لم يكن شيء مما كان.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx