اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 5018 نوفمبر 2022 - 9 هاتور 1739 ش     العدد كـــ PDFالعدد 43-44

اخر عدد

مَثَل الوزنات وارتباطه بحياة الأسرة - عظة يوم الأربعاء ٩ نوفمبر ٢٠٢٢م من الكاتدرائية المرقسية بالإسكندرية

قداسة البابا تواضروس الثانى

18 نوفمبر 2022 - 9 هاتور 1739 ش

ونحن نحتفل اليوم بالمتفوقين، فكل ابن وكل ابنة ممن فرحنا بإنجازاتهم الدراسية على كل المستويات، وراءهم أسرة هي السند الكبير والذي يستحق كل تكريم، فالأسرة الواعية المنتبهة لتربية أولادها وبناتها، تدفعهم في طريق النجاح. يجب على كل أسرة أن تكتشف الوزنات التي عند أبنائها. التربية ليست مجرد أكل وشرب وترفيه وملابس، التربية أيضًا أن الأب والأم يكتشفان مواهب ووزنات الأبناء، ويتاجران معهم بالوزنات حتى يصبح الابن أو البنت إنسانا ناجحًا، ويسمع المكافأة من فم السيد المسيح: «نعمّا أيها العبد الصالح والأمين... كنت أمينًا في القليل فسأقيمك على الكثير، ادخل إلى فرح سيدك».

ما معنى "وزنة"؟

(1) الله يعطي كل إنسان وزنات بحسب رؤيته، فقد يعطي إنسانًا وزنتين وآخر ثلاثًا، وهكذا. أحيانًا تكون الوزنة موهبة أو نجاح أو صحة أو علم... لكن الله يعطي من وزناته ومواهبه للجميع. ولكن لماذا يا رب تمنح لشخص وزنتين، ولآخر ثلاثًا، ولثالث أربعًا؟ فيجيبنا الله إنه يعطي كل واحد حسب طاقته، فهو لا يحمّل الإنسان أكثر مما يحتمل.

(2) لا يوجد أحد بدون وزنات. الله يعطي كل إنسان، وقد رأيتم أولادنا وبناتنا ذوي القدرات الخاصة وقد حققوا نجاحات كبيرة، على الرغم من أن شخصًا قد يظن أن إمكاناتهم محدودة، ولكن ما حدث هو العكس. أطفالنا الذين صنعوا روبوتات وشاركوا في مسابقات كبيرة وحققوا نتائج حلوة وكلهم في المرحلة الابتدائية والإعدادية. لا يوجد إنسان بدون موهبة، وكل واحد نال عطايا من الله، الإنسان الواعي هو من يكتشف موهبته. يقول الفنان العالمي بيكاسو: "كل طفل يولد فنانًا، لكن المشكلة كيف نحفظه فنانًا؟". دور الأب والأم أن يحاولا اكتشاف مواهب الصغار وتنميتها.

صحيح أن الله يعطي وزنات، ولا يوجد إنسان بلا وزنات، ولكن الإنسان لا يقدر أن يكتشف نفسه، وهذه نقطة مهمة، فالكبار هم الذين يساعدون الصغير حتى يكتشف مواهبه.

(3) الوزنة تزداد بحُسن الاستخدام وتموت بقلّة الاستخدام أو عدم الاستخدام. فكثير من الناس كان لديهم مهارات معينة في الصغر وفقدوها مع الزمن بسبب عدم الممارسة وغياب التشجيع. الربح يجلب ربحًا، والخسارة تجلب خسارة... الوزنة التي تُستخدم دائمًا تزيد، ويقول لنا الآباء: "ليست موهبة بلا زيادة إلّا التي بلا شكر"، فالشكر على المواهب وممارستها باتضاع يقود للنجاح. ومن ضمن أهذاف مبادرة "حياة كريمة" التي ترعاها الدولة والسيد الرئيس، اكتشاف أولادنا. هذا يذكّرني بعبارة مهمة قالها أحد رؤساء أمريكا: "لقد كنّا نعلم أن مصادر الثروة هي في باطن الأرض، ولكننا اكتشفنا أن مصادر الثروة هي في فصول الدراسة". شجعوا أولادكم وبناتكم في الأشياء التي يحبونها. لا ترغموهم على شيء. لا تحبطوا طموحاتهم. شجعوهم على ما يحبون.

(4) إياكم وإحباط أبنائكم. حذارِ أن يكون ابنك عنده موهبة ما، وتميتها بالسخرية منه أو الإهمال. الإحباط قضية خطيرة، لكن القضية الأحسن هي كيف نشجّع أبناءنا على استثمار مواهبهم وتنميتها.

الخلاصة أن الإنسان لا يستطيع أن يعرف نفسه، ويجب عليكم كآباء وأمهات أن تساعدوهم ليعرفوا أنفسهم. اعرف طبيعة شخصية ابنك ولا ترغمه على شيء. استخدم التشجيع، فالتشجيع من أهم ما يمكن في نمو الإنسان نفسيَا بطريقة صحيحة. ابتعدوا عن مقارنة أبنائكم بالآخرين. شجعوهم على أي شيء حسن مهما كان صغيرًا. شجعوهم على المواهب العقلية مثل القراءة والبحث والتأليف والشرح والتعليم وعمل اللوحات. شجعوهم على المواهب الاجتماعية في الخدمات الاجتماعية الكثيرة وخدمات التنمية الكثيرة. شجعوهم على المواهب الفنية سواء الرسم التشكيلي أو الفنون التطبيقية أو فنون الأداء بصفة عامة. شجعوا أبناءكم لو كان عنده مواهب من المواهب التعبُّدية: في حفظ التسبحة والألحان والترانيم والموسيقى والمدائح.

تشجيعكم لأبنائكم يصنع المستحيل، لكن ما يحفظ الإنسان دائمًا أن يكون عنده روح الاتضاع، فالله لم يعطِ الموهبة للإنسان لكي يتكبّر ويتفاخر بها، بل لكي يخدم بها الناس. حينما يؤلف فنان قطعة موسيقية حلوة أو يرسم لوحة فنية جميلة، نقول: الله، أي أن هذا الفن مصدره ومردوده إلى الله الذي أعطى الإنسان هذه النعمة. أتذكر قول قاله نابليون: "مَن يقول: لا أقدر، أقول له: حاول. الذي يقول: لا أعرف، أقول له: تعلّم. ومَن يقول: مستحيل، أقول له: جرِّب". انتبهوا لهذه الثلاثة معاني الجميلة: لو قال ابنك "لا أقدر على شيئ" وأنت ترى فيه موهبة، قل له: حاول، وأسنده. لو قال إنه لا يعرف، قل له أن يتعلم، وشجّع تقدمه حتى ولو بطيء. لو قال: مستحيل، قل له أن يجرّب. دائمًا ما يوصف أولاد وبنات الشرق بالشجرة، يولدون ويعيشون ويموتون في نفس المكان مثل الشجرة، بينما الأولاد والبنات في الغرب عندهم روح المغامرة، يولد في مكان، ويعيش في مكان، ويتعلم في مكان، ويشتغل في مكان، ويموت في مكان. شجعوا أولادكم على روح المغامرة، طبعًا أقصد المغامرة بحكمة، المغامرة المحسوبة بحيث أننا نعلم أن الحياة استمرار ولا وقوف فيها، فيها عمل مستمر على الدوام. يعيننا الله أن نعمل في كرمه وفي كنيسته من أجل تمجيد اسمه على الدوام. لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين.


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx