اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 5002 ديسمبر 2022 - 23 هاتور 1739 ش     العدد كـــ PDFالعدد 45-46

اخر عدد

كلمة قداسة البابا تواضروس الثاني في احتفال العيد العاشر لجلوس قداسته يوم السبت 19 نوفمبر 2022م

قداسة البابا تواضروس الثانى

02 ديسمبر 2022 - 23 هاتور 1739 ش

باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين.

احتفالية "من جيل إلى جيل" تظهر وتبين أن الله هو قائد الكنيسة، وأن السيد المسيح هو صاحب الكنيسة، وهو الذي يقودها بنعمته وبروحه القدوس. يقود الكنيسة دون النظر إلى الاشخاص. هو يعمل في كل الأجيال، في كل المواقف، مع كل الأشخاص؛ ويعيش الإنسان وهو يتمتع بعمل الله على يده.

أولًا: أود أن أشكر القائمين على الأمسية منذ بداية دخولنا للقاعة مع الكورال الجميل والترانيم والأناشيد التي قدموها بصورة حلوة. الجميل أنهم قالوا ترانيم قديمة فات عليها 60 سنة أو أكثر، وترانيم حديثة مؤلّفة حديثًا، وهكذا "من جيل إلى جيل". وكما رأيتم في الكتيب الذي وُزِّع على حضراتكم: صور الآباء البطاركة العظام البابا كيرلس والبابا شنوده، ونحن أولادهم، والله يعمل فينا، حتى في بعض المواقف تجد نفس التصرف ونفس الأسلوب.. إنه روح الله الذي يعمل فينا.

أود أيضًا أن أشكر سكرتارية المجمع المقدس، وكل آباء المجمع المقدس الأحبار الأجلاء، على محبتهم وخدمتهم ومساندتهم وترابطهم وعملهم وتعبهم واهتمامهم بالكنيسة في الداخل وفي الخارج بكل صورة من الصور.

أشكر سكرتارية المجمع المقدس والآباء الأحباء الذين قاموا بتصميم هذه الأمسية. أقدم شكرًا خاصًا للأب الحبيب أبونا بولس حليم وأبونا رافائيل ثروت على الإدارة العامة لنجاح هذه الجلسة. أشكر فريق الكورال الذي بدأ معنا هنا من إيبارشية بنها وقويسنا. أشكر نيافة الأنبا دانيال أسقف المعادي وسكرتير عام المجمع المقدس على كلمات المحبة التي قالها. وأشكر الثلاثة آباء الكهنة الذين تكلموا عن معاصرتهم للآباء البطاركة: أبونا إيليا وأبونا يوحنا وأبونا ثاوفيلس، والذكريات الجميلة التي قدموها لنا. أشكر أفلام الفيديو التي عُرِضت والعروض الـpresentation الجميلة. أشكر الشباب أندرو رمزي على حوارهم وأسئلتهم اللطيفة، والإعلامية نانسي مجدي في تقديمها.. أشكر الجميع...

في يوم من الأيام دخلنا -نحن الآباء الأساقفة- أديرتنا كرهبان طالبين للرهبنة. دخلنا للرهبنة ولم ننظر لأي شيء آخر. أحببنا الحياة الرهبانية لأسباب كثيرة، ودخلنا الدير بعد أن تركنا أمورًا كثيرة جدًا، كل واحد بحسب ظروفه، ولم يكن في بالنا ولا في داخلنا أيّة شهوة غير أن نعيش ونتمتع بتراب القديسين، وأب الدير وإخوتي الرهبان. وصارت الحياة جزءًا من الفردوس، وكان برنامج اليوم الاستيقاظ للتسبحة، ثم القداس، ويذهب كلٌّ منّا لعمله، ثم نتقابل الساعة الواحدة على مائدة الطعام، الساعة الرابعة عصرًا صلاة الغروب والنوم، ثم وقت لمن يريد أن يتمشى في البرية أو يصلي سواء وحده أو مع إخوته، وفي الليل نعود لقلالينا، وكل واحد له برنامج روحي بحسب تدبير أب اعترافه. ننام ساعات قليلة ثم نقوم للتسبحة ولا يشغلنا أي شيء آخر.

عندما كنا نخدم في العالم، وتربّينا في الخدمة، وتعلمنا فيها الكثير، ولكن أهم شيء تعلمته في الخدمة هو كلمة "حاضر". وأتذكر أن بعض أساتذتنا كانوا يعطوننا محاضرة اسمها "حاضر". كم هي حلوة هذه الكلمة، وتشمل إيمان الإنسان وتسليم الحياة وسلامة الطريق. أنا شخصيًا أحب كلمة "حاضر" وأستخدمها كثيرًا، وأقولها بمشاعري. وصارت حياتنا في الدير تدور بين كلمتين: كلمة "حاضر" والتي تعلمتها في الخدمة ووجدتها في الدير، والكلمة الثانية التي تعلمتها في الدير كلمة "أخطيت"، وصارت الحياة بين هاتين الكلمتين. "حاضر" ونطيع دون تفكير لأننا نضع الثقة في الأب المعلم، وكلمة "أخطيت" التي نقولها من قلبنا فربما يكون قد صدر مني خطأ دون أن أدري.

السنوات القليلة التي قضيتها في الدير غرست فيّ هذه المعاني القوية، وغرست فيّ هذه المعاني حتى حين نزلت للخدمة، وأعتقد أن سلامة حياتنا هي في هاتين الكلمتين، سواء في الأسرة الصغيرة (زوج وزوجة وأولاد) أو في الأسرة الكبيرة وهي الخدمة أو الأسرة الرهبانية أو في الأسرة الكنسية أو حتى في المجتمع. لقد عشت أخدم بهذا المفهوم وأتمتع، وفي يوم من الأيام قيل لي إنني سأكون أمين الخدمة، فقلت "حاضر" ولم يمرّ على تخرجي وقت. ثم دخلت الدير وبعد مدة قيل لي أن أنزل العالم لأخدم فقلت: "حاضر"، وقيل لي أن أخدم في المنطقة الصحراوية، واجتهدت في الخدمة والعمل. بعد ذلك اختار الله ضعفنا لقيادة الكنيسة، وكانت مفاجأة بالنسبة لي، شيء لم يخطر على بالي ولم أفكر فيه على الإطلاق. أتذكر مشاعري المتألمة جدًا. الخدمة العظيمة والكبيرة التي كنا نسمعها عن البابا شنوده ونسمعها منه مباشرة، كيف سأقوم بها. وقبل التجبيس بأيام ذهبت لأب اعترافي المتنيح الأنبا صرابامون أسقف ورئيس دير الأنبا بيشوي، وحكيت له عن مخاوفي التي تفوق الوصف، وظللت أتكلم بينما هو صامت يسمعني بانتباه، ثم رفع عينيه وقال لي: «كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان»، وكررها مرة ثانية ومرة ثالثة. وعلى الرغم من أنني أحفظ هذه الآية التي نصليها كل يوم في صلاة باكر، إلا أنها عندما خرجت من فم أب الاعتراف وأنا أطلب مشورته وإرشاده، خرجت تحمل قوتها أو تظهر قوتها أمامي، وكأنها فتحت وعيي على شيء جديد، وصرت أرددها في حياتي كل يوم في العديد من المواقف، وأعترف أمامكم أن هذه الكلمات صارت مثل بلسم في حياتي. إن سُئلت عن الاختبار الذي خرجت به من السنين القليلة الماضية، فهو هذه الآية. كل شيء به كان: كل حياتنا على أرض الوطن وعلاقتنا مع الآخرين، وحياتنا في إدارة الكنيسة بكل أبعادها وأنشطتها. وبغيره لم يكن شيء مما كان: يد الله عاملة وفاعلة، لا تنظروا إلى الأشخاص، فالأشخاص هم أدوات في يد الله. انظر إلى يد الله التي تعمل، والذي ينظر إلى يد الله التي تعمل تكون نظرته دائمًا إيجابية. نقول في الصلاة: "فلنشكر صانع الخيرات..." فهو لا يعمل إلّا الخير. أتذكر أنه وقت الاعتداء على الكنائس في 13 و14 أغسطس سنة 2013م، وكان يومًا عصيبًا، ولم يكون لي سوى تسعة أو عشرة شهور في البطريركية، ولم أدرِ ماذا أفعل أو أقول، وكنت في دير مارمينا، وكنت أتلقى اتصالات تنبئني بما يحدث. أخذت أصلي قليلًا وأجيب على الهاتف، أفتح الإنجيل ولكني أقرأ بدون تركيز، احترقت حوالي 100 كنيسة ومدرسة ومبنى وملجأ، ولكن كان في قلبي سلام رغم أن الحادث مفجع. كنت واثقًا أن ما تهدّم سوف يُبنى مرة أخرى. ما كان يشغلني هو سلامة الأرض: سلامة الوطن وسلامة الناس، مسلمين ومسيحيين. كنت أفكر كيف نحمي سلامة الوطن. وإن لم يحمِ الإنسان سلامة وطنه، فما الذي يتبقى له؟! وكان الأمر -برغم مرارته- هو الذي أنشأ فيّ العبارة التي قلتها: "وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن"، وكان في فكري حين قلتها ما يحدث في سوريا حيث اُعتُدِي على الأديرة والرهبان والكنائس لأن الوطن ضاع. بعد هذه الأحداث تشكّلت لجنة طيبة فيها نيافة الأنبا بيمن والأحباء، وبدأوا يتواصلون مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وأُعيد بناء الكنائس والمباني التي تهدمت، ولكن المكسب -وأنا أتكلم عن نفسي- أني لم أجرح سلامة الوطن لا بكلمة ولا بتصرف ولا بأي شيء، هذا الوطن الذي وطأته أقدام السيد المسيح والعذراء مريم والقديس يوسف النجار. ونشكر الله أنه أعطى وطننا أناسًا أمناء في مقدمتهم السيد الرئيس، ليحفظوا سلامة الوطن ونتمتع به. من كان في يوم من الأيام يقول إنه سيكون عندنا قانون لبناء الكنائس على أرض مصر؟ لقد عشنا أجيالًا وراء أجيال ولا يوجد قانون لبناء الكنائس، ولولا إصرار السيد الرئيس والسيد الرئيس مجلس الوزراء والجهات المعاونة لهم، لما صدر القانون، وهذا مكسب كبير.

لا بد أن تكون نظرتنا للأمور إيجابية، لن أقول لكم إن الصورة كلها جميلة، فما زلنا على الأرض وما زالت هناك ضعفات، لكن هناك إيجابيات كثيرة تتحقق قليلًا قليلًا. وأكرر: إن سلامة الوطن تعني سلامة الكنيسة وسلامة الأشخاص وسلامة الحياة كلها، فسلامة الوطن في المقام الأول. نشكر الله أن هذه العقبات عبرت، وخرجنا من الأزمات أقوى.

إن كل الإنجازات التي تتم والإيجابيات التي نراها، كلها بيد الله، ونحن في هذه الأمسية حين نتذكر عمل البابا كيرلس وعمل البابا شنوده والعمل الذي يتم في أيامنا هذه، كل هذا يتم بيد الله، يد ربنا هي التي تعمل؛ كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. أشكركم كثيرًا.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx