اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 5002 ديسمبر 2022 - 23 هاتور 1739 ش     العدد كـــ PDFالعدد 45-46

اخر عدد

أرض الشقاء(قصة قصيرة)

الانبا اندراوس

02 ديسمبر 2022 - 23 هاتور 1739 ش

يُحكى أن نبيًا قام في وسط الناس ليعظ، وقد أُعطِي سلطانًا أن يقيم الأموات بشرط موافقة ذويهم أو اقربائهم. وكان البعض يذهب إليه، ولكنه كان هو أيضًا يذهب للبعض ويطرق بابه لينفذ ما يريدونه.

+ وقد ذهب النبي لأحد الأشخاص الذي توفيت زوجته ليأخذ رأيه في إقامتها من الموت، ولكن الزوج قال له: "الحقيقة يا نبينا لم يكن بيني وبين زوجتي أيّة عواطف أو مشاعر، وكانت زوجتي العزيزة تهملني كل الإهمال. تصور يا نبينا أنها كانت تهتم بثلاثة أطفال وتحبهم وكأن الزواج كان فقط من أجل انجاب الأطفال، والأكثر عجبًا يا نبينا أنها كانت تهتم بالكلب الذي في المنزل وتقدم له الطعام في الوقت المناسب بينما تتركني وحيدًا استجدي منها اهتمامًا كاهتمامها بالكلب! ولم أذكر لها كلمة شكر على مدى سنوات أو حتى مجاملة في عيد ميلادي أو في أي من الأعياد التي يفرح فيها الناس. إن ما كان بيني وبين زوجتي يسمونه طلاقًا عاطفيًا، والحق يا نبينا أنا أحتاج لزوجة تعرف معنى الزواج الحقيقي أنهما "يصبحان جسدًا واحدًا وليس بعد اثنين". أنا لم أطلب الموت لأحد وأيضًا لا أريد أن يرجع أحد من الموت، فالبعض يرى في الموت أنه حلٌّ لبعض الأمور. مؤكد يا نبينا المبارك أنت ترى معي أن نتركها في مكانها حتى ترتاح وتريحني".

+ وذهب النبي لأسرة أخرى توفي فيها الوالد تاركًا زوجته وخمسة أولاد، وكان غنيًا جدًا له ممتلكات وأرصدة في البنوك، ولم يعرفها أبناؤه إلّا بعد موته.

+ وخاطبه الابن الأكبر: "نحن خمسة أولاد، ثلاث بنين وبنتان، وفور موت الوالد جلسنا لنقتسم الميراث، واختلفنا كثيرًا مع بعضنا حتى أن أحد الإخوه أشهر سلاحه في وجه الجميع طالبًا الإنصاف في توزيع الميراث ونحن اختلفنا، حتى الأم شعرت أنه ليس لها نصيب تعيش منه، فتركتنا لتعيش مع احد إخوتها.

البنتان اختلفتا وحضر زوجاهما لأن الإخوه الثلاثة اتفقوا أن يعطوا البنات نصيبًا في الميراث يُقدَّر بنصف نصيب الرجل أو أن نصيب الولد ضعف البنت؛ وتشاجرنا واختلفنا ولجأنا إلى القضاء ليحكم بيننا. هكذا وصلت الخلافات للقضاء وفقدنا كل محبة كنّا نعيش فيها قبلًا. أمّا عن والدي فكلنا نرى أن نتركه في رقاده ولا نقيمه حتى لا يرانا في كل هذا الشر ومحبة المال التي طغت على حياتنا. أيضًا لأنه كان كثير البخل علينا في حياته".

+ وذهب نبي الله لأحد الاسر التي مات عائلها تاركًا طفلًا تقريبًا في سن العاشرة أو إحدى عشرة سنة، وكان على النبي أن يقابل هذا الطفل ويستطلع رأيه في الأمر..

+ قال الطفل: "يا نبينا كان أبي شديد القساوة معي، وكان يوبخني في كل شيء أعمله، وكان لا يحلو له التوبيخ والتأنيب إلّا أمام زملائي وأصدقائي الذين ألعب معهم أو يزورونني في البيت، حتى أني كرهت أن يراني أبي مع أي أحد. وأذكر أنه كان يرسلني لأحضر له سجائر، ولم يكن في منطقتنا كشك، فكنت أذهب سيرًا على الأقدام ما يزيد عن نصف ساعه باحثًا عن كشك أحضر منه السجائر، وكان يمكن أن يرسلني في هذا المشوار في أي وقت ولا أستطيع الرفض لما سينالني من ضرب وإهانة ثم أذهب أيضًا. وأذكر يومًا كان شتاء ومطرًا غزيرًا، وكان الوقت قد تأخر، وقد أرسلني لشراء السجائر له، وقبل أن أصل لكشك السجائر خرج شاب يكبرني كثيرًا ومعه مطواة أشهرها في وجهي ليؤذيني إن لم أعطه ما معي من مال، وقد خفت وأعطيته المال.. ورجعت مُبلَّل الملابس وخائفًا جدًا مما حدث من هذا الشاب، ولكن يومها ضربني أبي ضربًا مبرحًا، وصمّم على أن أبيت دون عشاء كعقوبة لي، لولا أن أمي بعد ساعات من الليل وبعد أن نام أبي أيقظتني وأعطتني بعض الطعام، وكنت في شدة الجوع، وقد كنت أرتجف من شدة البرد.. ولكن يا نبينا أرجوك أن تقيمه من الموت، فأنا أحبه، وهو والدي وسبب وجودي، وأنا قد سامحته وغفرت له. فربما كان يريدني أن أنشأ رجلًا مهما قابلت من صعاب، ولا أنسى أنه سبب وجودي. والحق أنه كثيرًا لا يعرف الإنسان قدر من حوله إلّا بعد أن يفقدهم. ارجوك يا نبينا أن تقيمه وتحضره لنا بكل صحة".

+ هنا تذكر النبي قول السيد المسيح: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ».

+ وكان على النبي أن يذهب لأحد الأديرة فقد توفي راهب في سن حوالي الأربعين سنة، وكان على النبي أن يقابل رئيس الدير ويستطلع منه أيضًا موافقته على إقامة الراهب من الموت..

+ ولكن كان رد رئيس الدير وهو راهب أيضًا: "أنت تعرف يا نبينا المبارك أن الراهب في رهبنته يُصلّى عليه صلوات الموتى لأنه مات عن العالم ليقوم باِسم جديد وحياة جديدة مع خالقه، ويعيش الراهب بجسده الذي يفنى على الأرض ولكن قلبه يكون هناك في أورشليم السمائية، والمكان الذي ذهب إليه لا يعطي له الشوق ليعود للأرض مرة أخرى، وحتى لو كان متاحًا أن تسأله هو، مؤكد سيرفض ترك مواضع الراحة في الفردوس مع المسيح العريس، وكما كان يصلي في قانونه الرهباني في صلاة الساعه التاسعة، وكان يرتل: «ارجعي يانفسي إلى موضع راحتك...»، وهذه أشواق أي راهب. فإذا كانت هذه أشواقه فكيف يعود مرة أخرى إلى أرض الشقاء؟ إن الأشواق الحقيقة للراهب يصليها في صلاة الساعة السادسة عندما يرتل «تشتاق وتذوب نفسي للدخول إلى ديار الرب». إنه الآن في فردوس النعيم فَرِح مع الرب يسوع، فكيف يقبل أن يعود لأرض الأحزان؟ من أجل هذا صلِّ من أجلنا يا نبينا المبارك لأننا جميعًا كرهبان لنا اشتهاء أن ننطلق ونكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا. ولعلك تعرف يا نبينا المبارك أن الله يختار الوقت المناسب لكل أحد من أحبائه الذي ينتقل ويضمه إليه".

وهنا صلى النبي إلى الله أن يرفع عنه موضوع الإقامة من الأموات وإعادة الإنسان إلى أرض الشقاء...




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx