- كان لنوح ثلاثة أولاد (سام وحام ويافث) خرج منهم ثلاثة شعوب. اختار الله منهم شعبًا وهو الشعب الآتي من نسل سام.
ومن نسل سام اختار الله إبراهيم الذي أنجب إسحق. وكان لإسحق ابنان اختار الله منهما يعقوب. ومن يعقوب خرج ١٢ سبطًا، شعب جرّار يتعدي المليونين ونصف نسمة، اختاره الله من بين الشعوب ليكون أمة مختارة يأتي منها المخلص. وعندما اُستُعبِد الشعب لفرعون أنقذه الله بيد عزيزة، وبينما كان الشعب يسير في الصحراء الشاسعة بلا دليل ولا مرشد، ولم يعرف حتى أين الطريق. فجأة يضعف نور الشمس في عز الظهيرة. ما هذا؟! إنها سحابة كبيرة. لا بل هو حضور الله وسط شعبه، يقوده في مسيرته لأرض الموعد. كانت هذه هي سحابة القيادة (١). وكان هذا في اليوم الثالث لخروجهم من أرض مصر.
أحبائي: من لا يكون الله قائده ومرشده يتوه في وسط هذا العالم الصعب.
- استمرت السحابة تقود شعب الله حتى جاء الشعب عند البحر وكان الوقت ليلًا. ووجد موسى والشعب أن فرعون بمركباته وراءهم والبحر أمامهم. فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: «لاَ تَخَافُوا. قِفُوا وَانْظُرُوا خَلاَصَ الرَّبِّ الَّذِي يَصْنَعُهُ لَكُمُ الْيَوْمَ» (خر١٤: ١٣) ولكن كيف؟! السحابة تنتقل من أمامهم وتأتي وراء الشعب وتُعمي أعين فرعون ورجاله عنهم، ويشق الله البحر ويعبر الشعب بسلام.. إنها سحابة الحماية (٢).
أحبائي: النفس التي تتمتع بحضور الله بشكل دائم، تصبح نفسًا قوية لا تخاف ولا تقلق، لأنها تحيا في أحضان المراحم الإلهية.
- ولكن في الصحراء لا يوجد ماء أو طعام. من أين يأكل كل هذا الشعب؟! لا تقلق يا موسى، كان هذا جواب الله له! ماذا حدث؟ السحابة أمطرت مَنًّا أكله الشعب مدة أربعين سنة حتى دخل أرض الموعد. إنها سحابة الشبع (٣).
أحبائي: سر شبعنا هو السيد المسيح وكما يقول الشيخ الروحاني: " طوبي للذي نسي حديث العالم بحديثه معك لأن منك كل حوائجه تكمل له أنت هو أكله وشربه"
- الجبل مثل نار مدخّنة. الشعب أسفل الجبل مرتعب. أما موسى فعلى الجبل يتسلم الوصايا المكتوبة بإصبع الله. موسى يطلب أن يرى مجد الله. وكان الجواب: «لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ». (خر٣٣: ٢٠)، ويسمح الله له أن يراه من خلفه، وتمر السنون ويسمح الله لموسى أن يرى بهاء مجده في المسيح على جبل التجلي مع إيليا متغطيًا بسحابة أيضًا هي سحابة المجد (٤). ورأى موسى الله الكلمة المتجسد ليس في ألواح حجرية بل في جسد إنساني.
أحبائي: نسكب أنفسنا أمام الله بخشوع وانسحاق قلب في صلواتنا لينسكب روح الله فينا فنرى مجده داخلنا.
- أنهى موسى والشعب بناء خيمة الاجتماع، وحل الرب بمجده في الخيمة ليقدسها، وكذلك فعل نفس الأمر في تدشين هيكل سليمان. إنها سحابة التقديس (٥).
أحبائي: بقدر ما نسلّم لله حياتنا ونكرسها لمجد اسمه المبارك تكون حياتنا مقدسة، وهذه هي رسالتنا في العالم أن نكون قديسين فتفوح منا رائحة المسيح الزكية ويشتمها العالم فيمجدوا اسمه القدوس.
- الصحراء شاسعة وممتدة. الحر قائظ لا يُحتمل. ماذا يفعل الشعب؟! الحل هو السحابة! وماذا تفعل السحابة؟!.. لقد غطت السحابة الشعب كله وكأنها خيمة ممتدة، وحمته من حر الشمس طوال فترة وجوده في الصحراء. إنها سحابة الرعاية (٦).
أحبائي: الساكن في ستر العلي في ظل القدير يستريح فلا راحة لنا إلا في المسيح
- «وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ: هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ» (إش١٩: ١). إنها سحابة البركة (٧).
أحبائي: حينما تسري البركة في حياتنا ينمو المسيح فينا ويصغر العالم ولا نحتاج منه شيئًا.
- عند جبل الزيتون ارتفع السيد المسيح إلى السماء وأخذته سحابة عن أعين تلاميذه (أع١: ٩). صعد ليعدّ لنا مكانًا ويرسل الروح القدس ليعطي الكنيسة استحقاقات الفداء والخلاص. إنها سحابة الخلاص (٨).
أحبائي: بقدر جهادنا وتعبنا طوال الأسبوع في الاستعداد للإفخارستيا، ستنفتح أعيننا ونتذوق الأبدية ونعيش السماء عينها ونحن لا نزال على الأرض.
- وفي اليوم الأخير سيأتي مع السحاب، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ، وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ (رؤ١: ٧)، وهي سحابة العدل والدينونة (٩).
أحبائي: فلنستعد لذلك اليوم ونقول مستعد قلبي يا رب مستعد قلبي.
- عندما نسمع صوته المبارك: «تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ» (مت٢٥: ٣٤، عندئذ سندخل في سحابة التمتع بالله (١٠).
أحبائي: العالم كله لا يساوي لحظة واحدة من الأبدية. فلنجتهد ألا تفارق الأبدية أعيننا لحظة واحدة ولا طرفة عين لنعيش في سحابة ممتدة، أبدية لا نهاية لها.