لقد جاهد آباء الكنيسة في كتاباتهم لتأكيد عذراوية السيدة العذراء مريم ودوام بتوليتها، واستندوا بكل تأكيد على نبوات الآباء الأنبياء الكبار في العهد القديم، وهم موسى وإشعياء ودانيال وحزقيال، وجاء الفنان القبطي ليجسد تعاليم آبائه في رسمه الرائع داخل نصف القبة الغربية بكنيسة السيدة العذراء بدير السريان بوادي النطرون، وكأن الرهبنة القبطية غير بعيدة عن العقيدة الأرثوذكسية، خاصة عقيدة الثيؤطوكوس، التي أوضحها لنا البابا كيرلس عمود الدين، وأن العذراء دائمة البتولية. وقد رسم الفنان هنا الأربعة أنبياء الكبار، وكتب أسماءهم أسفل كلٍّ منهم بالقبطية، ونشاهد في الوسط السيدة العذراء مريم جالسة على كرسيها في كرامة كبيرة، وترفع يدها اليمنى مفتوحة علامة التسليم لتعلن قبولها لبشارة الملاك، وتمد طرف إصبع يدها اليسرى إلى فمها المغلق، لتعلن عن صمتها أمام سر التجسد العجيب، وقبولها وخضوعها للبشارة كأَمَة الرب، لذا نجد منظر الملاك غبريال على يمينها يبشرها بميلاد المخلص منها، ويمسك بيده اليسرى عصا الصليب، وأمامها الشورية يصعد منها البخور، وهي موضوعة على عمود رخامي أبيض، وهي رمز للسيدة العذراء مريم، حيث حلّ اللاهوت في أحشائها، وأخذ منها جسدًا. وهنا نشاهد على يسار العذراء موسى النبي، وفوقه العليقة الخضراء المشتعلة بالنار، وهي لم تحترق ويشير بيده اليمنى إلى العذراء مريم، ويمسك بيده اليسرى ما جاء في سفر الخروج عن أمر العليقة مكتوبًا باللغة القبطية «وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ. فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ، وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ. فَقَالَ مُوسَى: أَمِيلُ الآنَ لأَنْظُرَ هذَا الْمَنْظَرَ الْعَظِيمَ. لِمَاذَا لاَ تَحْتَرِقُ الْعُلَّيْقَةُ؟». (خروج3: 2-3). يقف وراءه إشعياء النبي يمسك بيده اليسرى دَرَجًا مكتوبًا فيه بالقبطية نبوءته الشهيرة «وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» (إشعياء7: 14). وعلى الجهة المقابل يمين السيدة العذراء يقف حزقيال النبي يشير إلى العذراء بيده اليمنى ويمسك الدَرَج بيده اليسرى كتب علبه نبوءته بالقبطية «فَقَالَ لِيَ الرَّبُّ: هذَا الْبَابُ يَكُونُ مُغْلَقًا، لاَ يُفْتَحُ وَلاَ يَدْخُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ دَخَلَ مِنْهُ فَيَكُونُ مُغْلَقًا» (حزقيال44: 2). يقف خلفه دانيال النبي وهو يظهر بملابس الوزير عند الملك نبوخذنصر، ويمسك الرول كُتِب عليه بالقبطية نبوءته «لأَنَّكَ رَأَيْتَ أَنَّهُ قَدْ قُطِعَ حَجَرٌ مِنْ جَبَل لاَ بِيَدَيْنِ، فَسَحَقَ الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالْخَزَفَ وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ. اَللهُ الْعَظِيمُ قَدْ عَرَّفَ الْمَلِكَ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ هذَا اَلْحُلْمُ حَقٌّ وَتَعْبِيرُهُ يَقِينٌ» (دانيال2: 45). أمّا خلفية هذا الرسم فهو منظر لمباني العهد القديم، وشجرة خضراء على يمين الناظر تمثل شجرة الحياة وهي رمز للعذراء مريم، ومقابلها شجرة العليقة المشتعلة كما ذكرنا.