خرج موسى النبي في أوائل الصيف يبحث عن مرعى جيد فقادته قدماه نحو المراعي إلى جبل حوريب، وشد انتباهه وجود شجرة عُليقة סְנֶה، لم تلتهما النيران، (خر3)، وكانت تلك الشجرة في نفس جبل حوريب الذي ترأى فيه الرب للشعب ولموسى حيث أعطاه لوحي العهد بعد ذلك، ويمكننا عمل مقارنة بين ظهور الرب لموسى في العليقة وظهور الرب لموسى أمام الشعب على جبل حوريب، ففي كلا الحدثين: 1) الموضع مقدس، 2) وفي كليهما خلع موسى نعليه، 3) وكان الموضع يشتعل من حضور الرب ولم يحدث ضرر، 3) وفي كل حالة كان موسى يرعى، ففي العليقة كان يرعى الغنم، وفي الجبل كان يرعى الشعب، 4) وفي كليهما غطى موسى وجهه من أمام الرب، 5) ومِنْ أمام العليقة أخذ موسى التكليف بالحياة مع الله من أجل شعبه، ومِنْ أمام جبل حوريب أخذ الشعب التكليف بالحياة مع الله من أجل الأمم.
يأتى تعريف العليقة סְנֶה بأنها الشجرة ذات الألوان المتعددة ليوضح لنا طبيعة الظهور، وهذا يقودنا إلى الحالات التي اختلطت فيها الألوان معًا في الكتاب المقدس كعلامة على حضور الرب بنقاوته وطهارته ومجده وبهائه كما في عهد السلام بين الله ونوح في قوس قزح (تك9: 12-17)، وفي أساسات أورشليم السمائية (رؤ21). كما أضاف السيد المسيح في شرح طبيعة العليقة بأنها: "شوك" (مت7: 16)، فمن لعنة الشوك والحسك أخرج الرب حياة وخلاص، فالشوك في السقوط كان علامة لرفض الإنسان، وفي العليقة صار بحضور الله رمزًا لقبول الإنسان بالتجسد الإلهي «رِضَى السَّاكِنِ فِي العُليْقَةِ» (تث33: 16). إن نور الرب وحضوره لا يحطم خلقته بل يحطم خطايانا وجهلنا بمعرفة واختبار العشرة مع الله.
كان للعليقة مغزىً يخص شعبه، فكما لم تشتعل العليقة من النار، هكذا لا يحترق شعب الله أو تقضي عليه نيران الاضطهاد الذي كانوا يلاقونه على يد فرعون، وهو ما ينطبق على شعب الله في كل العصور، كما حدث مع الفتية الثلاث في أتون النار (دا3: 27). وإذا كان حب الاستطلاع لدي حواء أدّى للسقوط فإن الرب استخدم حُب الاستطلاع عند موسى لكي يجذبه إلى المكان واللقاء كعربون لجذب البشرية بالكلمة المتجسد.
ويُضيف مار أفرام السرياني المعنى اللاهوتي للعليقة شارحًا: "أظهر الرب ههنا سر التجسد الإلهي وصوَّره في هذا السفر واضحًا، وذلك أن النار تشتعل والشجرة خضراء، والطبيعتان موجودتان، طبيعة النار وطبيعة الشجرة موجودتان معًا بغير فرقة، طبيعة النار لم تغيرها ولم تطفئها خضرة الشجرة، وخضرة الشجرة لم يغيرها لهيب النار، مثل لاهوت المسيح المتجسد بناسوته، في اتحاد طبيعي في الأقنوم... لم يفارقه لحظه ولا طرفه عين... ولكون المسيح المولود منها المتأنس، لذلك أسماه الكتاب ملاكًا وإلهًا، لأنه قال: إن ملاك الرب ظهر في العليقة، ثم قال إنه الإله الذي ظهر فيها" (أع7: 30- 34).