حَكَمَ تحتمس الثالث أعظم فراعنة مصر (شريكًا مع الملكة حتشبسوت) من 1480 إلى 1425 ق.م. في خلال ما يقارب أربعة قرون ونصف حكمت مصر العالم القديم وظهرت كأكبر قوة عسكرية وليس هذا فقط بل أكبر قوى علمية ثقافية فلسفية وفنية فضلًا عن الشخصيات الهامة التي ذاع صيتها العلمي والإداري خلال تلك القرون. من هؤلاء الوزير رخميرع الذي رأس الحكومة في النصف الثاني من فترة حكم تحتمس الثالث فصار فيما بعد رجل دولة يُحتذى به ويُستفاد من أوامره وإدارته المثالية.
أهم الوثائق عن هذه الشخصية مقبرته رقم مائة 100 بالحوزة العليا بالقرنة غرب الأقصر، وقد ترك لنا منقوشًا على جدرانها الكثير من أمور الإدارة والأعمال الحكومية والتشريعات القضائية والمعاملات العالمية الخارجية، وأيضًا كل ما يتعلق بالاقتصاد الوطني من أعمال فنية وصناعية وعمرانية... الخ.
من هذه الوثائق الخاصة بالعمران وتجهيز مواد البناء، ليس فقط الأحجار بل صناعة الطوب اللبن الذي كانت تُبنى به المنازل في معظم الأحيان لحماية السكان من حرارة الجو صيفًا.
ففي إحدى وسائل الإيضاح بالمقبرة نجد منظرًا مُفصَّلًا بالجدار الشرقي يُظهر عمال صناعة الطوب، ونجدهم خليط بين مصريين وساميين عبرانيين، هؤلاء الآخرون مميزون بلحاهم وشعور رؤوسهم الشقراء، إذ كان الفنان المصري يعمّم كثيرًا أي ملاحظة في بعض الشعوب من ناحية الشكل ويتخذها وسيلة لإظهار جنسية هذا الشعب. ولحسن الحظ أن هذا المنظر يصاحبه نص واضح باشتراك هؤلاء الساميين (بعلامات) عبرية مع المصريين في العمل. يتضح لنا من هذه الوثيقة الهامة أن أعمال "ضرب" الطوب التي يتحدث عنها سفر الخروج من الأصحاح الأول إلى الثاني عشر لم يكونوا بعد في زمن الاضطهاد الذي بدأ مع عصر الرعامسة 1300 ق.م، بل في زمن تمتع العبرانيون بالعيش الرغد. وسنرى في الحلقة القادمة صعود البعض لمناصب كبرى في الدولة المصرية.