مدرسة يونان للكرازة
القمص داود لمعى
22 فبراير 2013 - 15 أمشير 1729 ش
يُعتَبَر صوم نينوى من أهم صيامات كنيستنا القبطية التي تعشق التوبة، ويمثل سفر يونان كتابًا مميزًا يعلن فيه الله اهتمامه الشديد بخلاص الأمم (نينوى) على عكس اعتقاد وإرادة اليهود شعبه المختار آنذاك. كما تظهر فيه أبوة الله وحنانه وطول أناته وحكمته لخلاص الجميع معلنًا الحقيقة الدائمة أنه «يُريدُ أنَّ جميعَ الناسِ يَخلُصونَ، وإلَى مَعرِفَةِ الحَقِّ يُقبِلونَ» (1تيموثاوس2: 4).
وهكذا يتحول صوم نينوى سنويًا الى مدرسة روحية متعدّدة المناهج، فهو مدرسة في التوبة والرجاء والصلاة والنُسك واستماع صوت الله. دعونا نلتحق هذه السنة بمدرسة يونان للكرازة.
الدرس الأول: الكرازة قد لا تستهوي البعض:
رفض يونان النبي الإصغاء لصوت الله الواضح بالكرازة لأهل نينوى، ولم يكشف لنا السفر عن أسباب الرفض: هل لأن يونان لا يحب أن يخدم إلا شعبه؟!! هل لأنه يخاف الذهاب لهذه الأراضي الوثنية؟!! هل لأن هذه الدعوة لم تكن معتادة لأنبياء كثيرين؟!! هل لأنه لا يجد كلامًا مقنعًا أو منهجًا واضحًا للكرازة لشعب لا يعرف الله؟!! هل لأنه علم بالروح ما سيحدث بعد سنين طويلة من سبي شعبه على يد هذه الشعوب؟!! هل... هل... هل...؟ ولكن الرفض كان واضحًا!
الدرس الثاني: الكرازة قد تأتي بدون مقدمات:
بالرغم من هرب يونان من مسئولية الكرازة، إلاّ أنه كرز عن دون قصد للنوتية (البحارة) في السفينة، وحين أصرّت الطبيعة على توبيخه (البحر والريح والبشر) اُضطُر للاعتراف بذنبه، وباعترافه البسيط مع ثورة الطبيعة ثم هدوؤها المفاجئ بمجرد طرحه في البحر، قَبِل النوتية الإيمان! وأخيرًا قدموا ذبيحة ونذروا نذورًا، وعرفوا الطريق لمخافة الله.
الدرس الثالث: توبة الخادم أساس الكرازة:
لم يكن يونان تائبًا بل عاصيًا، فرفض إرادة الله، ورفض دعوة الكرازة، واُضطُر يونان للتوبة داخل جوف الحوت، وصلّى بحرارة وانسحاق معترفًا بخطيته أنه "رعى أباطيل كاذبةً"، وقُبِلَت توبته وصلاته. وبسبب توبته، موته وقيامته، خروجه من جوف الحوت حيًّا، وجدناه كارزًا عظيمًا يتوب على يديه اثنتي عشرة ربوة من الناس وبمسيرة يوم واحد، حتى ذكره المسيح له المجد: «رِجالُ نينَوَى سيَقومونَ في الدّينِ مع هذا الجيلِ ويَدينونَهُ، لأنَّهُمْ تابوا بمُناداةِ يونانَ، وهوذا أعظَمُ مِنْ يونانَ ههنا!» (لوقا11: 32).
الدرس الرابع: الإيمان والتوبة هدفا الكرازة:
تهدف الكرازة الى الإيمان لأنه «مَنْ آمَنَ واعتَمَدَ خَلَصَ، ومَنْ لَمْ يؤمِنْ يُدَنْ« (مرقس 16:16)، وإلى التوبة «إنْ لَمْ تتوبوا فجميعُكُمْ كذلكَ تهلِكونَ» (لوقا 13: 3). والانشغال بأي هدف أخر يعطّل الكرازة، ولا يمكن الدخول للأسرار المقدسة (المعمودية والميرون) بدون الإيمان والتوبة «فآمَنَ أهلُ نينَوَى باللهِ ونادَوْا بصَوْمٍ ولَبِسوا مُسوحًا مِنْ كبيرِهِمْ إلَى صَغيرِهِمْ» (يونان3: 5)، هكذا كان خلاصهم، كما آمن النوتية من قبلهم وتابوا توبة صادقة « فخافَ الرِّجالُ مِنَ الرَّبِّ خَوْفًا عظيمًا، وذَبَحوا ذَبيحَةً للرَّبِّ ونَذَروا نُذورًا» (يونان 1: 16)، وهكذا كان خلاصهم...